كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<فائدة> أخرج أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ من مسند عبيدة بن مرزوق كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت فلم يعلم بها المصطفى فمر على قبرها فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ قالوا أم محجن‏.‏ قال‏:‏ التي كانت تقم المسجد‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم فصف الناس فصلى عليها ثم قال‏:‏ أي العمل وجدت أفضل‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله أتسمع‏؟‏ فقال‏:‏ ما أنتم بأسمع منها‏.‏ ثم ذكر أنها أجابته‏:‏ قم المسجد

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا ابن النجار ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏في‏)‏ كتاب الأحاديث ‏(‏المختارة‏)‏ مما ليس في الصحيحين ‏(‏عن أبي قرصافة‏)‏ بكسر القاف وفاء مخففة الكناني واسمه جندرة بن خيشنة نزل عسقلان روت عنه ابنته‏.‏ رمز المؤلف لصحته‏.‏ وإن تعجب فعجب رمزه مع حكم الحافظ المنذري بضعفه وإعلال زين الحفاظ العراقي في شرح الترمذي له بأن في إسناده جهالة وقول الحافظ الهيتمي وغيره في إسناده لكن المؤلف اغتر بتصحيح الضياء‏.‏

63 - ‏(‏أبن‏)‏ بفتح فكسر أمر من الإبانة أي أبعد ‏(‏القدح‏)‏ بالتحريك الإناء الذي تشرب منه ‏(‏عن فيك‏)‏ عند الشرب ندباً ولا تشرب كشرب البعير فإنه يتنفس عند الشرب فيه ‏(‏ثم تنفس‏)‏ فإنه أحفظ للحرمة وأبعد عن تغير الماء وأصون عن سقوط الريق فيه وأنفى عن التشبه بالبهائم في كرعها فالتشبه بها مكروه شرعاً وطباً لكن هنا شيء ينبغي التفطن له وهو أن الأمر بالإبانة إنما هو فيمن لم يرو من نفس واحد بغير عب، ذكره في المطلب والمفهم

- ‏(‏ه سموية‏)‏ بفتح المهملة وشد الميم مضمومة ومثناة تحت مفتوحة وهو أبو بشر العبدي الفقيه الأصبهاني‏.‏ قال ابن أبي حاتم ثقة مأمون وأبو نعيم من الحفاظ الفقهاء ‏(‏في فوائده‏)‏ الحديثية ‏(‏هب‏)‏ كلاهما ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏ رمز المؤلف لحسنه وفيه أمران‏:‏ الأول أنه يوهم أنه لا يوجد مخرجاً في أحد دواوين الإسلام الستة وإلا لما عدل لعزوه لسمويه لما مر عنه ولقول مغلطاي كغيره لا يجوز لحديثي أن يعدل عن الستة ويعزو حديثاً لغيرها مع وجوده في شيء منها إلا إن كان فيه زيادة أو نحو ذلك مع أن هذا الحديث رواه مالك في الموطأ والترمذي في الأشربة عن أبي سعيد المذكور وصححه ولفظهما‏:‏ ‏"‏نهى عن ‏[‏ص 86‏]‏ النفخ في الشراب، فقال رجل‏:‏ القذاة أراها في الإناء‏؟‏ قال‏:‏ أهرقها قال‏:‏ فإني لا أروى في نفس واحد‏؟‏ قال‏:‏ أبن القدح عن فيك ثم تنفس‏"‏ انتهى‏.‏ ورواه أيضاً كذلك البيهقي في الشعب‏.‏ الثاني أن رمزه لحسنه يوهم أنه غير صحيح وهو غير صحيح بل صحيح كيف هو من أحاديث الموطأ الذي ليس بعد الصحيحين أصح منه‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح وأقره عليه النووي وغيره من الحفاظ‏.‏

64 - ‏(‏ابن آدم‏)‏ منادى محذوف الأداة والابن من البناء لأنه مبني من أبيه ولذلك ينسب المصنوع لصانعه فيقال ابن حرب وبنت فكر وآدم أبو البشر قال القاضي والمراد من ابن آدم آدم وأولاده فكأنه صار اسماً للنوع كالإنسان والبشر وصدر به تنبيهاً للمنادى ليقبل بكليته على ما يلقى إليه ‏(‏أطع ربك‏)‏ مالكك الذي رباك بأنواع نعمه وصنوف كرمه، ففي ذكره دون غيره تقريع للمكلف وتذكير بآلاء الله عليه ‏(‏تسمى‏)‏ أي تستحق أن تسمى ‏(‏عاقلاً‏)‏ كامل العقل ‏(‏ولا تعصه فتسمى جاهلاً‏)‏ لأن ارتكاب المعاصي مما يدعو إليه السفه والجهل لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل ومن ركب متن العصيان هو الجاهل السفيه عند أهل الإيمان‏.‏ العاقل من أطاع الله وإن كان دميم المنظر رث الهيئة‏.‏ والجاهل من عصاه وإن كان جميل المنظر شريف المنزلة حسن الزي فصوحاً نطوقاً‏.‏ روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ يا عويمر ازدد عقلاً تزدد من ربك قرباً‏.‏ قلت‏:‏ من لي بالعقل‏؟‏ قال‏:‏ اجتنب مساخط الله وأد فرائضه تكن عاقلاً‏.‏ ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد في الدنيا عقلاً ومن ربك قرباً وغلبة وعزاً‏"‏ قال الحكيم‏:‏ وإنما سمي العقل عقلاً لأن الجهل ظلمة وعمله على القلب فإذا غلب نوره العقل وبصره في تلك الظلمة وأبصر صار عقالاً للجهل‏.‏ قال الغزالي فالقردة والخنازير أعظم عند الله ممن عصاه‏.‏ فلا تغتر بتعظيم أهل الدنيا إياهم فإنهم من الخاسرين‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ من تضرر من مشقة صرف ساعة للطاعة فوقع بسبب ذلك التضرر في مشقة الأبد كان من أجهل الجاهلين فإن العاقل من قاده عقله إلى طاعة مولاه ولم يتابع نفسه وهواه‏:‏

ما تبلغ الأعداء من جاهل * ما يبلغ الجاهل من نفسه

وقال ابن القيم‏:‏ مخالفة الرب تفسد العقل فإن للعقل نوراً والمعصية تطفئه وإذا طفئ نوره ضعف ونقص‏.‏ ولهذا قال حكيم‏:‏ ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله، إذ لو حضره عقله حجزه عن العصيان وهو في قبضة الرب وتحت قهره وهو مطلع عليه وفي داره وعلى بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان بالموت والنار ينهاه فهل يقدم على الاستخفاف بذلك والاستهانة به ذو عقل‏؟‏ وأخذ أقضى القضاة الماوردي من الخبر أن من صرف فضل عقله إلى المكر والدهاء والشر كزياد وأضرابه من دهاة العرب أن الداهية منهم لا يسمى عاقلاً لأن الخير والدين من موجبات العقل وإنما هذا يسمى صاحب رواية ومكر ومن ثم لما عزله عمر قيل له أعن موجدة أو جناية‏؟‏ قال‏:‏ لا عن واحدة منهما إنما خفت أن أحمل الناس على فضل عقله‏.‏ أرأيت أن الشجاع إذا زاد على حد الشجاعة نسب إلى التهور‏؟‏ والسخي إذا زاد على حد السخاء نسب إلى التبذير‏؟‏ والعقل نور روحاني تدرك به النفس العلوم وقيل قوة يتميز بها الحسن عن القبيح وقيل العلم بالمدركات الضرورية وقيل غيرها ومحله القلب أو الدماغ

- ‏(‏حل‏)‏ من حديث علي بن زياد المتوتى عن عبد العزيز بن أبي رجاء عن سهل عن أبيه ‏(‏عن أبي هريرة وأبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏ ثم قال‏:‏ غريب انتهى‏.‏ وعبد العزيز قال في الميزان عن الدارقطني متروك له مصنف موضوع‏.‏ ثم ساق له منه هذا، قال عقبة في الميزان‏:‏ هذا باطل وقد اقتصر المؤلف على الرمز لتضعيفه وكان الأولى حذفه‏.‏

65 - ‏(‏ابن آدم عندك ما يكفيك‏)‏ أي يسد حاجتك ‏(‏وأنت تطلب‏)‏ أي تحاول أخذ ‏(‏ما يطغيك‏)‏ أي يحملك على الظلم ومجاوزة الحدود الشرعية‏:‏ ‏{‏إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى‏}‏ فإذا كان عندك ما يكفيك حالاً فاشكر نعمة ربك ولا تطلب ‏[‏ص 87‏]‏ زيادة تطغيك ‏(‏ابن آدم لا بقليل تقنع‏)‏ أي ترضى لفقر نفسك إلى الزيادة‏.‏ ‏"‏والقناعة‏"‏ الرضا بما قسم وتطلق على الاكتفاء بقدر الضرورة وهو معنى قولهم القناعة الرضا باليسير‏.‏ ولعل المراد هنا بقوله‏:‏ ‏"‏تقنع‏"‏ لا بقيد القلة وإلا لكفى أن يقول لا تقنع ونكتة قصر القناعة على الرضا والنص على لفظ القلة معه رعاية الطباق بين القلة والكثرة المذكورة بقوله ‏(‏ولا من كثير تشبع‏)‏ وهو من أنواع البديع المستحسنة والباء في ‏"‏بقليل‏"‏ للمصاحبة ومن في ‏"‏من كثير‏"‏ بمعنى الباء ثم لما نعى عليه حاله وذم إليه خصاله حثه على الزهادة وبين له أن الكفاف مع الصحة والأمن محصل للغرض وزيادة فقال‏:‏ ‏(‏ابن آدم إذا أصبحت‏)‏ أي دخلت في الصباح ‏(‏معافى‏)‏ أي سالماً من الأسقام والآثام ومن قصره على الأول فقد قصر‏.‏ والعافية السلامة ودفع البلاء والمكروه ‏(‏في جسدك‏)‏ بدنك‏.‏ قال الراغب‏:‏ والجسد كالجسم لكنه أخص فلا يقال الجسد لغير الإنسان أو الجسد يقال لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء ‏(‏آمنا‏)‏ بالمد وكسر الميم ‏(‏في شربك‏)‏ بكسر فسكون نفسك أو بفتح فسكون مذهبك ومسلكك أو بفتحتين بيتك ‏(‏عندك قوت يومك‏)‏ ما يقوم بكفايتك في يومك وليلتك وخص اليوم لأنه يستتبعها أو لأن الليل غير محل للاقتيات‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ القوت ما يقوم به البدن وفي المفردات ما يمسك الرمق ‏(‏فعلى الدنيا العفا‏)‏ بفتح المهملة والفاء كسماء الهلاك والدروس وذهاب الأثر‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومنه قولهم عليه العفاء إذا دعا عليه لعفو أثره‏.‏ والمعنى إذا كنت كذلك فقد جمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا فدع عنك ما عداه واشتغل بما يقربك إلى الله‏.‏ قال الغزالي‏:‏ مهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون ويتألمون من أمور وراء هذه الثلاث مع أنه وبال عليهم ولا يشكرون نعمة الله فيها‏.‏ ومر سليمان عليه السلام على بلبل بشجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه‏.‏ فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏.‏ قالوا‏:‏ الله ونبيه أعلم‏.‏ قال‏:‏ يقول‏:‏ أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء‏.‏ وصاحت فاخية فأخبر أنها تقول‏:‏ ليت ذا الخلق لم يخلقوا‏.‏ وقال صالح بن جناح لابنه‏:‏ إذا مر بك يوم وليلة وقد سلم فيهما دينك ومالك وبدنك وعيالك فأكثر الشكر لله‏.‏ فكم من مسلوب دينه ومنزوع ملكه ومهتوك ستره ذلك اليوم وأنت في عافية، ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد وانكفوا بالورع عن الكد وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد وميز القريب من البعيد والشقي من السعيد والسادة من العبيد وهذا هو المهيع الذي قبض بسطة وجوه القلوب فلم يبق للعاقل حظ فيما زاد على كسرة تكسر شهوته وسترة تواري عورته وما زاد متجر إن أنفقه ربحه وإن ادخره خسره‏.‏ وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى‏.‏ وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة عظيم وقعها جزيل نفعها بل هي أجل النعم على الإطلاق وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له أن لا يغفل عن وعظ الناس إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده وترهيب يرده ومواعظ ترققه وأعمال تصدقه وإخلاص يحققه لترتفع أستار الغفلة عن عيون القلوب وتكتسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم وبلاغة تناسبه وبداعة ربطه وبراعة تلاحمه‏:‏ ‏{‏إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‏}

- ‏(‏عد هب‏)‏ وكذا الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ونقله عن ابن عدي وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه والأمر بخلافه‏.‏ بل قال أبو بكر الداهري أحد رجاله كذاب متروك‏.‏ وقال الذهبي‏:‏ متهم بالوضع وهكذا هو في مسند البيهقي وذكر نحوه الحافظ ابن حجر فكان ينبغي حذفه‏.‏

66 - ‏(‏ابن أخت القوم منهم‏)‏ لأنه ينسب إلى بعضهم وهي أمه فهو متصل بأقربائه في كل ما يجب أن يتصل به ‏[‏ص 88‏]‏ كنصرة ومشورة ومودة وإفشاء سر ومعونة وبر وشفقة وإكرام ونحو ذلك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فمن اتصالية‏.‏ ومن هذا التقرير تبين أنه لا حجة فيه لمن قال بتوريث ذوي الأرحام‏.‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ وحكمة ذكر ذلك إبطال ما كان عليه أهل الجاهلية من عدم الالتفات إلى أولاد البنات فضلاً عن أولاد الأخوات حتى قال قائلهم‏:‏

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فقصد بالحديث التحريض على الألفة بين الأقارب‏.‏ قال بعض الأعاظم‏:‏ ومما يدل على أن الحديث ليس على عمومه أنه لو كان عاماً جاز أن ينسب إلى خاله مثلاً وكان معارضاً للحديث الصحيح‏:‏ ‏"‏من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام‏"‏ إلى غير ذلك من الأحاديث المصححة المصرحة بالوعيد الشديد على ذلك، فعلم أنه خاص وأن المراد به أنه منهم في الصلة والمعونة والمدافعة عنه‏.‏ والابن من البناء لأنه مبنى أبيه كما مر‏.‏ والأخت تأنيث الأخ وجعل التاء فيها كالعوض من المحذوف منه وهو الواو إذ أصله أخو

- ‏(‏حم ق ت ن عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏د‏)‏ وكذا أحمد والطبراني ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ‏(‏طب‏)‏ وكذا الضياء في المختارة ‏(‏عن جبير‏)‏ بضم الجيم مصغراً ‏(‏ابن مطعم‏)‏ بضم الميم وسكون الطاء وكسر العين وبكسر الميم وكسر المهملة الثانية حكاه الكرماني وهو ابن عدي ابن نوفل القرشي من سادات قريش وأعاظمها‏.‏ أسلم يوم حنين أو يوم الفتح وحسن إسلامه وكان حليماً وقوراً سيداً سنداً ‏(‏وعن ابن عباس‏)‏ ترجمان القرآن ‏(‏وعن أبي مالك‏)‏ كعب بن عاصم أو عبيد أو عمرو أو الحارث ‏(‏الأشعري‏)‏ صحابي مشهور يعد في الشاميين ورواه أيضاً أبو يعلى والحاكم وزاد بيان السبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر‏:‏ ‏"‏اجمع لي من هنا من قريش فجمعهم ثم قال‏:‏ أتخرج إليهم أم يدخلون‏؟‏ قال‏:‏ أخرج فخرج فقال‏:‏ يا معشر قريش هل فيكم من غيركم قالوا‏:‏ لا إلا ابن أختنا فذكره‏.‏ ثم قال‏:‏ يا معشر قريش إن أولى الناس بي المتقون فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها فأصدّ عنكم بوجهي‏"‏ قال أبو البقاء‏:‏ في من وجهان أحدهما زائدة والتقدير هل فيكم غيركم‏.‏ الثاني صفة لموصوف محذوف أي أحد من غيركم كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أهل المدينة مردوا على النفاق‏}‏ أي قوم مردوا على كل فالكلام تام وقولهم في الجواب إلا ابن أختنا يجوز رفعه على البدل ونصبه على الاستثناء‏.‏

67 - ‏(‏ابن السبيل‏)‏ أي المسافر والسبيل الطريق‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ يذكران ويؤنثان سمي به للزومه له ‏(‏أول شارب‏)‏ من الشرب‏.‏ قال الراغب‏:‏ هو تناول كل مائع أو غيره قال مخرجه الطبراني وتبعه المؤلف ‏(‏يعني‏)‏ هو مقدم على المقيم من شربه ‏(‏من‏)‏ ماء بئر ‏(‏زمزم‏)‏ أي عند الازدحام لمقاساة المشاق وضعفه بالاغتراب واحتياجه إلى إبراد حر فراق الأحباب وظاهر قوله ‏"‏من زمزم‏"‏ أن هذه الأولية من خصائصها ولا كذلك ففي خبر البيهقي ‏"‏ابن السبيل أحق بالماء والظل من الباني عليه‏"‏ قال ابن الأثير‏:‏ أراد أن ابن السبيل إذا مر بركية عليها قوم مقيمون فهو أحق بالماء منهم لأنه مجتاز وهم مقيمون‏.‏ وأخرج البيهقي عن الحسن أن رجلاً أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشاً فأغرمهم عمر ديته

- ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ رجاله ثقات وحينئذ فرمز المؤلف لحسنه تقصير وحقه الرمز لصحته‏.‏

68 - ‏(‏أبو بكر‏)‏ عبد الله أمير الشاكرين أفضل من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء وفاقاً من أهل السنة وإلزاماً للشيعة بما في الصحيح عن علي كرم الله وجهه أنه خير الناس‏.‏ أسلم وأبوه وابنه وحفدته ولم يسجد لصنم قط ولا شرب خمراً ‏[‏ص 89‏]‏ وحديث أنه شربها قبل تحريمها وقعد ينوح على قتلى بدر فنزلت آية التحريم باطل ولهذا كانت عائشة تدعو على من ينسبه إليه‏:‏

تحيا بالسلامة أم بكر * فهل لي بعد قومي من سلام

وتقول‏:‏ والله ما قاله‏.‏ ومن ثم قال الأشعري‏:‏ لم يزل بعين الرضا وإنما ذكره بكنيته لأن اشتهاره بها أكثر ‏(‏وعمر‏)‏ الفاروق ذو المقام الثابت المأنوق الذي أعز الله به دعوة الصادق المصدوق وفرق به بين الفصل والهزل وأظهر نواميس الفضل والعدل وأيد بما قواه به من لوامع الطول المديد شواهق التوحيد فظهرت الدعوة ورسخت الكلمة بما منحه الله من الصولة حتى شيدت الدولة ‏(‏سيدا كهول أهل الجنة‏)‏ يعني الكهول عند الموت لأنه ليس في الجنة كهل إذ هو من ناهز الأربعين وخطه الشيب وأهل الجنة في سن ثلاث وثلاثين فاعتبر ما كانا عليه عند فراق الدنيا ودخول الآخرة كذا قرره القرطبي وغيره وهو غير قويم إذ لو اعتبر ما كانا عليه عند الموت لما قال كهول بل شيوخ لأنهما ماتا شيخين لا كهلين فالأولى ما صار إليه بعضهم من أن المراد بالكهل هنا الحليم الرئيس العاقل المعتمد عليه يقال فلان كهل بني فلان وكاهلهم أي عمدتهم في المهمات وسيدهم في الملمات، على أن ما صار إليه أولئك من أن الكهل من ناهز الأربعين غير متفق عليه ففي النهاية الكهل من زاد عن ثلاثين إلى أربعين وقيل من ثلاث وثلاثين إلى خمسين، وفي الصحاح من جاوز الثلاثين وخطه الشيب، نعم ذكر الحراني أن الكهولة من نيف وأربعين إلى نيف وستين وعليه يصح اعتبار ما كانا عليه قبل الموت ‏(‏من الأولين والآخرين‏)‏ أي الناس أجمعين‏.‏ وهذا إطناب أتي به لقصد التعميم ودخول الكافة تحت حيطته إلا ما أخرجه بقوله ‏(‏إلا‏)‏ وفي رواية لكثيرين ما خلا ‏(‏النبيين والمرسلين‏)‏ زاد في رواية ‏"‏يا علي لا يخبرهما‏"‏ أي قبلي ليكون إخباري لهما أسر لهما لا أن ذلك لخوف الفتنة عليهما فقد أخبرهما بما هو أعظم ولم يفتتنا

- ‏(‏حم ق‏)‏ في المناقب ‏(‏ه عن علي‏)‏ قال الصدر المناوي سنده سند البخاري ‏(‏ه عن أبي جحيفة‏)‏ بضم الجيم وفتح المهملة وسكون المثناة تحت وبالفاء السوائي بضم المهملة وخفة الواو وبالمد واسمه وهب بن عبد الله أو وهب بن وهب بن سواء بن عامر بن صعصعة ويقال له وهب الخير كان علي يحبه وولاه بيت المال ‏(‏ع والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏في المختارة عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏طس‏)‏ وكذا الحاكم في تاريخه ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد الله‏.‏ قال الهيتمي رواه عن شيخه المقدام بن داود وقد ضعفه النسائي وبقية رجاله رجال الصحيح ‏(‏وعن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه علي بن عابس وهو ضعيف‏.‏ فرمز المؤلف لصحته ينزل على الطريق الأول أو مراده المتن‏.‏

69 - ‏(‏أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس‏)‏ أي هما مني في العزة كذلك أو هما من المسلمين بمنزلة السمع والبصر من البدن أو منزلتهما في الدين بمنزلتهما في البدن ويرجح الأخير بل تعينه رواية أبي نعيم‏:‏ ‏"‏أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس‏"‏ قال القاضي‏:‏ وإنما وصفهما بذلك لشدة حرصهما على استماع الحق واتباعهما وشدة حرصهما على النظر في الآيات في الأنفس والآفاق والتأمل فيها والاعتبار بها انتهى‏.‏ وذلك منه إشارة إلى وجه حكمة تخصيص السمع والبصر دون غيرهما من الحواس والجوارح، وقد عمل أبو بكر في الردّة ما لم يلحقه فيه أحد ولم يكن بعده ردّة مثلها إلى الآن فبعلمه ردّ الله الإسلام إلى الأمّة، فيا لها من فعلة توازي عمل الأمّة‏.‏ ومن ثم وزن بهم فرجحهم، أما علمت أن من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ثم لم يجد مهلة حتى يمهد الإسلام ويجلى غريبه ويوضع المعالم ويمصر الأمصار ففعل ذلك عمر حتى ضرب الناس بعطن وأوسع منهل الدين وذلك ليس لأحد إلى مثله من سبيل‏.‏ وعثمان وإن كان أحيى الأمّة وعلي وإن كان أقضى الصحابة والأقضى كما قال السمهودي وغيره أعلم لكنهما وجدا الأمر مفروغاً منه فلم يبق إلا التمسك به فبذلك اتضح قول الخبر هما مني بمنزلة السمع والبصر‏.‏ ‏"‏والبصر‏"‏ إدراك العين ويطلق على القوة الباصرة وعلى العضو وكذا السمع

- ‏(‏ع‏)‏ وكذا الحاكم في تاريخه ‏(‏عن ‏[‏ص 90‏]‏ المطلب‏)‏ بفتح الطاء المشددة ‏(‏ابن عبد المطلب بن حنطب‏)‏ بفتح المهملة وسكون النون وطاء مهملة مفتوحة المخزومي روى عن أبيه وأبي هريرة‏.‏ وعنه ابناه‏.‏ قال أبو زرعة‏:‏ ثقة‏.‏ وفي التقريب‏:‏ صدوق كثير التدليس ‏(‏عن أبيه‏)‏ عبد الله قال الذهبي‏:‏ قيل له صحبة ونفاها الترمذي‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ مختلف في صحبته وله حديث مختلف في إسناده وهو هذا ‏(‏عن جده‏)‏ حنطب بن الحارث بن عبيد المخزومي أسلم يوم الفتح ‏(‏قال‏)‏ الحافظ أبو عمرو ‏(‏بن عبد البر‏)‏ النمري في الاستيعاب‏:‏ ‏(‏وماله‏)‏ حديث ‏(‏غيره‏)‏‏.‏ قال في الإصابة‏:‏ واختلف في إسناده اختلافاً كثيراً انتهى‏.‏ وفي أسد الغابة حنطب هذا له حديث واحد إسناده ضعيف وهو هذا ‏(‏حل‏)‏ وكذا ابن النجار ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وفيه الوليد بن الفضل عن عبد الله بن إدريس‏.‏ قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ مجهول واه ‏(‏خط عن جابر‏)‏ ابن عبد الله لكن بلفظ ‏"‏أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس‏"‏ ورواه الطبراني أيضاً قال الهيتمي ورجاله ثقات انتهى‏.‏ فكان ينبغي للمؤلف عزوه إليه‏.‏

70 - ‏(‏أبو بكر خير الناس‏)‏ لفظ رواية من عزاه له المؤلف‏:‏ ‏"‏أبو بكر خير الناس بعدي‏"‏ وهكذا حكاه عنهم في الكبير فسقط من قلم المؤلف لفظ بعدي وفي رواية‏:‏ ‏"‏خير أهل الأرض‏"‏ ‏(‏إلا أن يكون‏)‏ أي يوجد ‏(‏نبي‏)‏ فلا يكون خير الناس يعني هو أفضل الناس إلا نبي والمراد الجنس‏.‏ ويكون هنا تامّة ونبيّ مرفوع بها وجواب أن محذوف كما تقرر وهذه البعدية رتبية ويمكن جعلها زمانية والاستثناء لإخراج عيسى وكذا الخضر إن قلنا بما عليه الجمهور أنه نبي

- ‏(‏طب عد‏)‏ وكذا الديلمي والخطيب عن عكرمة بن عمار بن إياس بن سلمة ‏(‏عن سلمة‏)‏ بفتح المهملة واللام بن عمرو ‏(‏بن الأكوع‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو ومهملة، واسم الأكوع سنان أحد من بايع تحت الشجرة كان رامياً مجيداً يسبق الفرس‏.‏ ثم قال مخرجه ابن عدي‏:‏ هذا الحديث أحد ما أنكر على عكرمة‏.‏ وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني‏:‏ فيه إسماعيل بن زياد الأبلي ضعيف انتهى‏.‏ وفي الميزان‏:‏ تفرد به إسماعيل هذا فإن لم يكن هو وضعه فالآفة ممن دونه‏.‏

71 - ‏(‏أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار‏)‏ أي الكهف الذي بجبل ثور حين الهجرة كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا‏}‏ قالوا‏:‏ من أنكر صحبة الصديق كفر لإنكاره النصّ الجليّ‏.‏ وفيه وما قبله جواز التكني بأبي فلان وإن لم يكن اسم ابنه إذ لم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر ولا يشترط للجواز كونه ذا ولد فقد كنيت عائشة بأمّ عبد الله ولم تلد وكنى المصطفى صلى الله عليه وسلم الصغير فقال يا أبا عمير ما فعل النغير‏.‏ قال النوويّ في تهذيبه‏:‏ ويستحب أن يكنى أهل الفضل من العلماء وغيرهم والتكنية نوع تفخيم للمكنى وإكرام له ومن ثم اختلف في حل كنية الكافر على أقوال ثالثها يجوز للذمي لا الحربي‏.‏ قال‏:‏ ويحرم تكنية الإنسان بما يكرهه سواء كان صفة له أو لأحد أصوله أو غير ذلك إلا إن تعين للتعريف وهل الأفضل الاسم أو الكنية قولان في المطامح عن مالك‏.‏ قال الراغب‏:‏ والصاحب الملازم إنساناً أو غيره زلا فرق بين كون مصاحبته بالبدن وهو الأصل أو بالعناية والهمة ولا يقال عرفاً إلا لمن كثرت ملازمته ‏.‏

<تنبيه> قضية تصرف المؤلف أن سياق الحديث هكذا فحسب والأمر بخلافه بل سقط من قلمه بعضه ولفظه عند مخرجه الذي عزاه إليه‏:‏ ‏"‏أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا ذلك كله فلو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏سدوا كل خوخة‏)‏ باب صغير ‏(‏في المسجد‏)‏ النبوي صيانة له عن التطرق‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ الخوخة مخترق بيتين ينصب عليهما باب‏.‏ وقال مرة ‏[‏ص 91‏]‏ أخرى‏:‏ الباب الصغير على الباب الكبير‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ الخوخة طاقة في الجدار تفتح للضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى محل مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا أطلق عليها باب في بعض الروايات ‏(‏غير‏)‏ وفي رواية البخاري ‏"‏إلا‏"‏ ‏(‏خوخة أبي بكر‏)‏ فلا تسد تكريماً له وإظهاراً لتميزه بين الملأ‏.‏ ثم هذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فذلك لأن أهل المنازل الملاصقة للمسجد قد جعلوا لبيوتهم مخترقاً يمرون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون منها إليه فأمر بسدها وترك خوخة أبي بكر إعظاماً له ثم رمز للناس في ضمن ذلك إلى شأن الخلافة وإن أريد بها المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب القالة دون التطرق إليها والتطلع نحوها‏.‏ قال بعضهم‏:‏ والمجاز أقوى إذ لم يصح أن أبا بكر كان منزله بلصق المسجد بل بعوالي المدينة فالقصد بالأمر بالسد سد طرق منازعته في الخلافة على طريق الاستعارة‏.‏ وتعقبه المحب الطبري بأنه كان له أيضاً دار بلصق المسجد كما رواه عمر بن شيبة في تاريخ المدينة ثم إن ما ذكر عورض بما في عدة أخبار‏.‏ قال ابن حجر في موضع بأسانيد قوية وفي آخر برجال ثقات من الأمر بسد كل باب في المسجد إلا باب علي وفي بعضها للطبراني‏:‏ ‏"‏قالوا‏:‏ يا رسول الله سددت أبوابنا فقال‏:‏ ما أنا سددتها ولكنّ الله سدها‏"‏ ولأحمد والنسائي والحاكم‏:‏ ‏"‏سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته‏"‏ قال ابن حجر‏:‏ ورجال الكل ثقات، وللطبراني عن ابن سمرة ‏"‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب‏:‏ وللنسائي من طريق العلاء بن عرار قلت لابن عمر أخبرني عن عليّ وعثمان فذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏"‏وأما علي فلا تسأل عنه أحداً وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه‏"‏ قال ابن حجر‏:‏ ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء‏.‏ وقد وثقه ابن معين وغيره قال‏:‏ فهذه أحاديث كل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها‏.‏ وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات بتوهمه معارضتها لحديث أبي بكر مع أنه قد جمع منهم البزّار والكلاباذي والطحاوي بأن سد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى باب علي لأن بابه كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته غيره فلما أمروا بسدها سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول للمسجد منها فأمروا بعد بسدها غير خوخة أبي بكر

- ‏(‏عم‏)‏ وكذا الديلمي وابن مردويه ‏(‏عن ابن عباس‏)‏‏.‏ قال في الفتح‏:‏ رجاله ثقات‏.‏

72 - ‏(‏أبو بكر مني وأنا منه‏)‏ أي هو متصل بي وأنا متصل به فهو كبعضي في المحبة والشفقة والطريقة أو هو عندي بمكان جليل أو هو بمكان مني في المودّة وأنا منه بمكان فيها ‏(‏وأبو بكر أخي‏)‏ أي هو في القرب مني واللصوق بي كالأخ من النسب وزاد قوله ‏(‏في الدنيا والآخرة‏)‏ إشارة إلى كمال الارتباط وعدم الافتراق إلى الأبد، وأصل الأخ المشارك في الولادة والرضاع ويستعار لكل مشارك لغيره في فضيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودّة أو غير ذلك من المناسبات، ذكره الراغب‏.‏ ‏"‏والدنيا‏"‏ تأنيث الأدنى ‏"‏والآخرة‏"‏ تأنيث الآخر غلبتا على الدارين فجريا مجرى الأسماء

- ‏(‏فر عن عائشة‏)‏ رمز لضعفه وليس يكفي منه ذلك بل كان ينبغي حذفه إذ فيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة‏.‏ قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ كذبوه‏.‏ وفي الميزان عن أبي حاتم‏:‏ كان يكذب وعن الدارقطني‏:‏ يضع الحديث‏.‏ ثم رأيت المؤلف نفسه تعقبه بذلك في الأصل فقال فيه عبد الرحمن بن جبلة كذبوه‏.‏

73 - ‏(‏أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان‏)‏ بن عفان ‏(‏في الجنة‏)‏ أمير المؤمنين وأمه بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصغر من النبي بست سنين‏.‏ قال ابن سيرين‏:‏ كثر المال في زمنه حتى يبعث جارية بوزنها وفرس بمئة ألف ونحلة بألف درهم ذبح صبراً في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وله نيف وثمانون سنة وفضائله كثيرة ‏(‏وعلي‏)‏ بن أبي طالب ‏(‏في الجنة ‏[‏ص 92‏]‏ وطلحة‏)‏ بن عبد الله التيمي ‏(‏في الجنة‏)‏ قتل يوم الجمل ومناقبه ستجيء ‏(‏والزبير‏)‏ بن العوام حواري رسول الله وابن عمته ‏(‏في الجنة‏)‏ كيف لا وهو أول من سل سيفاً في سبيل الله قبل بوم الجمل ‏(‏وعبد الرحمن بن عوف‏)‏ ابن عبد عوف بن عبد الحارث ‏(‏في الجنة‏)‏ بدري ذو هجرتين صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك‏.‏ قال الزهري‏:‏ تصدق بأربعين ألف دينار وحمل على خمس مئة فرس في سبيل الله وكان عامة ماله من المتجر ومرض عثمان فعهد له بالخلافة فمات قبله عن خمس وسبعين سنة ونسبه ومن بعده إلى الأب دون من قبله لأن لأولئك من كمال الشهرة ومزيد الرفعة ما يزيد على غيرهم ولهذا كان أفضل العشرة الأربعة ثم طلحة والزبير ثم بقية العشرة ‏(‏وسعد بن أبي وقاص‏)‏ مالك بن أهيب بن عيد مناف بن زهرة ‏(‏في الجنة‏)‏ كيف لا وهو فارس الإسلام أسلم سابع سبعة مات سنة خمس وسبعين ‏(‏وسعيد بن زيد في الجنة‏)‏ هو العدوي من السابقين الأولين أسلم هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب قبل عمر مات سنة إحدى وخمسين ‏(‏وأبو عبيدة‏)‏ عامر بن عبد الله ‏(‏بن الجراح في الجنة‏)‏ وهو أمين هذه الأمة قتل أباه كافراً غضباً لله ولرسوله وقد سلك المصطفى صلى الله عليه وسلم مسلك الإطناب حيث لم يقتصر على ذكر الجنة آخراً ‏"‏قصداً ‏"‏ للكشف بعد الكشف والإيضاح غب الإيضاح رداً على الفرق الزائغة الطاغية الطاعنة في بعضهم‏.‏ وكما يجب علي التبليغ في مكان الإجمال والإيجاز أن يحمل ويوجز فكذا الواجب في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع

يرمون بالخطب الطوال وتارة * وحي الملاحظ خفية الرقباء

قال بعض المحققين‏:‏ والتبشير بالجنة لا يلزم منه الأمن من البعد عن كمال القرب وإنما اللازم الأمن من النار على أن الوعد لا يمنع الدهشة والحيرة والخوف عند الصدمة الأولى ومن ثم كانوا باكين خاشعين خائفين من سوء العاقبة سائلين العافية لاحتمالات باقية‏.‏ فإن قلت‏:‏ ينافي هذا الحديث ما في مسلم في الفضائل عن سعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي أنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام‏؟‏ قلت‏:‏ لا منافاة لاحتمال أن حديثنا مما لم يسمعه سعد وسمعه غيره‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ وفيه جواز الشهادة بالجنة لغير نبي وفساد قول من أنكر جوازها لأحد بعد النبي وما ورد في آثار من النهي عنه إنما هو في غير من شهد الله ورسوله له بها‏.‏ قال‏:‏ وقد ورد نص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبشارة والشهادة بالجنة لغير العشرة أيضاً كالحسنين وأمهما وجدتهما وجمع من الصحب أكثر من أن يحصوا انتهى‏.‏ فتبين أنه لا تدافع بين هذا وبين تبشير العشرة لأن العدد لا ينفي الزائد ولأن العشرة خصوا بأنهم بشروا بها دفعة واحدة وغيرهم وقع مفرقاً وقد شهد الله لأهل بيعة الرضوان بأنه رضي عنهم وهو بشارة بالجنة

- ‏(‏حم والضياء‏)‏ المقدسي في المختارة وأبو نعيم وابن أبي شيبة وغيرهم ‏(‏عن سعيد بن زيد‏)‏ بن عمرو بن نفيل ‏(‏ت‏)‏ وكذا أحمد ولعله أغفله سهواً وأبو نعيم في المعرفة كلهم من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه ‏(‏عن‏)‏ جده ‏(‏عبد الرحمن بن عوف‏)‏ الزهري وعبد الرحمن هذا تابعي ثقة إمام وأبوه حميد أحد سادات التابعين ومشاهيرهم خرج لهما الجماعة‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ يكفي من مناقبه هذا الحديث الحسن وحده فكيف مع كثرتها‏؟‏ ومن لطائف إسناده أنه من رواية الرجل عن أبيه عن جده ‏(‏أبو سفيان‏)‏ بتثليث السين واسمه المغيرة ‏(‏بن الحارث‏)‏ ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة وأكبر ولد عبد المطلب، كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فلما بعث عاداه وهجاه وصار من أشد الناس عليه ثم أسلم عام الفتح وحسن إسلامه ‏(‏سيد فتيان أهل ‏[‏ص 93‏]‏ الجنة‏)‏ أي شبابها الأسخياء الكرماء وهذا عام مخصوص بغير الحسنين ونحوهما لأدلة أخرى توفي بالمدينة سنة عشرين وحفر قبره قبل موته بثلاث سنين بنفسه ‏(‏ابن سعد‏)‏ في طبقاته ‏(‏ك‏)‏ في المناقب ‏(‏عن عروة‏)‏ بضم أوله ابن الزبير ابن العوام تابعي كبير فقيه مجمع على جلالته وإمامته وهو أحد الفقهاء السبعة صام الدهر ومات وهو صائم سنة ثلاث أو أربع وتسعين ‏(‏مرسلاً‏)‏ رواه ابن سعد باللفظ المذكور بلفظ‏:‏ ‏"‏سيد فتيان أهل الجنة‏"‏ فلعل عروة سمعه مرتين ورواه الحاكم والطبراني موصولاً بلفظ‏:‏ ‏"‏أبو سفيان بن الحارث خير أهل الجنة‏"‏ قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي‏.‏

75 - ‏(‏أتاكم‏)‏ جاءكم أيها الصحابة وفي رواية لمسلم ‏"‏جاء‏"‏ ‏(‏أهل اليمن‏)‏ أي طائفة منهم وهو وفد الأشعريين ثم وفد حمير قدموا عليه بتبوك، واليمن اسم لما عن يمين القبلة من بلاد الغور ‏(‏هم أضعف قلوباً‏)‏ أعطفها وأشفقها وفي رواية للشافعي‏:‏ ‏"‏ألين قلوباً‏"‏ جمع قلب وهو القوة المدركة أو العقل أو العضو يعني اللحم الصنوبري النابت بالجنب الأيسر بناء على مذهب المتكلمين من أنه محل العلم والقوة المدركة قائمة به لا بالدماغ ‏(‏وأرق أفئدة‏)‏ ألينها وأسرعها قبولاً للحق واستجابة للداعي لأنهم أجابوا إلى الإسلام بدون محاربة للين قلوبهم بخلاف أهل المشرق فهو وصف لهم بسلامة الفطرة، إذ القلب القاسي لا يقبل الحق وإن كثرت دلائله‏:‏ ‏{‏ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة‏}‏ ولا يقبل الآيات إلا من لان قلبه فهو إلى نظر ما في الغيوب أقرب فهماً في تفتيق خلال الحجب عن معرفة المراد ‏"‏والفؤاد‏"‏ وسط القلب أو غشاؤه أو عينه وصفه بوصفين إشارة إلى أن بناء الإيمان على الشفقة والرأفة على الخلق فمن كان في هذه الصفة أصفى قلباً كان للحكمة أهلاً والمراد باللين خفض الجناح والاحتمال وترك الترفع إذ لا يظهر هذا الجلال إلا فيمن لان قلبه وقد قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً‏"‏ فنتج أن أهل اليمن أكمل الناس إيماناً وأن الحكمة من أوصاف من كمل إيمانه‏.‏ قال بعض العارفين‏:‏ وهذا مدح رفيع اختص به أهل اليمن وإنما يلين القلب لرطوبة الرحمة لأن المعرفة لا ينالها عبد إلا برحمة الله فإذا لان القلب برطوبة الرحمة ورق الفؤاد بحرارة النور ضعف القلب وذبلت النفس فمن لان قلبه أجاب داعي الإيمان بنور الرحمة الذي ناله ومن لم ينله قسا قلبه وعسر انقياده كغصن شجرة يابسة إذا مددته تكسر انتهى‏.‏ وهذه صفة خواصهم دون عوامهم الذين أجابوا الأسود العنسي وطليحة الأسدي لما ادعيا النبوة على أن أراد به في خصوص هذه الرواية قوماً بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم إلى بلدهم كما ذكره ابن حجر‏.‏ قال‏:‏ وأبعد الحكيم الترمذي حيث زعم أن المراد به واحد هو أويس القرني‏.‏ ولما وصفهم بالعطف والشفقة والرقة المقتضية لكمال الإيمان أشار إلى أن ثمرة ذلك الفهم والحكمة بقوله ‏(‏الفقه‏)‏ أي الفهم في الدين أو أعم‏.‏ قال الراغب‏:‏ ‏"‏الفقه‏"‏ التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم قوم لا يفقهون‏}‏ ‏(‏يمان‏)‏ أي يمني فالألف فيه عوض عن ياء النسبة ‏(‏والحكمة‏)‏ قال القاضي‏:‏ هي اشتغال النفس الإنسانية باقتباس النظريات وكسب الملكة التامة والمداومة على الأفعال الفاضلة بقدر الطاقة البشرية ولما لم يشمل تعريفه حكمة الله‏.‏ قال بعض المحققين‏:‏ الحكمة العلم بالأشياء كما هي والعمل بها كما ينبغي‏.‏ قال ابن حجر أخذاً من كلام النووي‏:‏ والمراد بها هنا العلم المشتمل على المعرفة بالله‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ أصح ما قيل فيها أنها وضع الشيء في محله ‏(‏يمانية‏)‏ بتخفيف الياء وتشدد كما قيل في الاقتضاب وحكاه المبرد وغيره لغة نادرة، فلما كانت قلوبهم معادن الإيمان وينابيع الحكمة وكانت الخلتان منتهى هممهم نسب الإيمان والحكمة إلى معادن نفوسهم ومساقط رؤسهم كنسبة الشيء إلى مقره ومن اتصف بشيء نسب إليه إشعاراً بكماله فيه وإن شاركه غيره في ذلك الكمال‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ يحتمل أن المراد أن الإيمان يتأخر باليمن بعد فقده من جميع الأرض ‏[‏ص 94‏]‏ حتى تقبض الريح الطيبة أرواح المؤمنين وزعم أن المراد هنا الأنصار لأنهم يمانية أصالة فنسب الإيمان والحكمة إليهم رد بأن المخاطب بقوله‏:‏ ‏"‏أتاكم الصحب‏"‏ كما تقرر وجمهورهم أهل الحرمين وما حولهما فعلم أن المبشر بهم غير المخاطبين

- ‏(‏ق ت عن أبي هريرة‏)‏ وروياه عنه أيضاً من وجه آخر بلفظ‏:‏ ‏"‏هم أرق أفئدة وألين قلوباً، الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم‏"‏

76 - ‏(‏أتاني جبريل‏)‏ كفعيل بالكسر وفيه نحو عشرين وجهاً وهو سرياني معناه عبد الرحمن أو عبد العزيز كما صح عن الحبر وإيل اسم الله عند الأكثر‏.‏ قال البيهقي‏:‏ واسمه وإن كان أعجمياً لكنه موافق لمعناه العربي، إذ الجبر إصلاح ما وهي وهو موكل بالوحي المصلح لما وهي من الدين ‏(‏بالحمى‏)‏ باؤه للتعدية وهي حرارة بين الجلد واللحم والعظم أنواعها متكثرة ‏(‏والطاعون‏)‏ بثرة مع لهب واسوداد من مادة سمية من وخز الجن‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ هو من الطعن لأنهم يسمون الطواعين رماح الجن ‏(‏فأمسكت‏)‏ حبست ‏(‏الحمى بالمدينة‏)‏ النبوية لكونها لا تقتل غالباً بل قد تنفع كما بينه ابن القيم‏.‏ وهذا كان أولاً ثم لما رأى ما أصاب أصحابه حين هاجروا إليها من حماها من البلاء والسقم دعى الله فنقلها إلى الجحفة حتى صارت لا يمر بها طائر إلا حم وسقط كما يجيء لكن بقيت منها البقية للتكفير كما يدل له خبر ابن ذبالة مرفوعاً فإنه يؤذن كما قال السمهودي ببقاء شيء منها بها كما هو الآن فالذي نقل سلطاناً أو أعيد الخفيف منها للتكفير ‏(‏وأرسلت الطاعون إلا الشأم‏)‏ كالرأس همزاً وتخفيفاً وأنكر ابن الأثير المد يذكر ويؤنث إقليم معروف عن شمال القبلة يشتمل على بلاد قاعدتها دمشق سميت به لأن بأرضها شامات ملونة أو لكونها عن شمال القبلة، وزعم أنها سميت بسام بن نوح لكونه أول من اختطها رده ابن جماعة بتصريح جمع بأنه لم يدخلها والله قادر على تصوير المعاني المعقولة بهيئة الأجسام المشخصة وخص الشام بإرساله لأنه كان بها في قصة الجبابرة مع موسى ولأنها أخصب الأرض والخصب مظنة الآشر والنظر فجعل بها ليزجرهم عن المنهيات ويقودهم للمأمورات وهذا لم يزل به سلطانها ومن ثم قالوا لا طواعين كطواعين الشام ‏(‏فالطاعون شهادة‏)‏ أخروية ‏(‏لأمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏ورحمة لهم‏)‏ أي مغفرة لذنوبهم ورفع لدرجاتهم بشروط تأتي ‏(‏ورجز‏)‏ وفي رواية ‏"‏رجس‏"‏ أي عذاب نشأ عن غضب‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ من ارتجز اضطرب لما يلحق المعذب من القلق والاضطراب ‏(‏على الكافرين‏)‏ وفي رواية ‏"‏الكافر‏"‏ والمراد به الجنس ولكون هذا كالتتمة والرديف لما قبله لم يراع تمام المقابلة بقوله ‏"‏ونقمة لهم‏"‏ قال ابن حجر‏:‏ هذا يدل على أنه اختارها على الطاعون وأقرها بالمدينة ثم دعا الله فنقلها بالجحفة كما في الصحيحين وبقي منها بقية ولا يعارضه الدعاء برفع الوباء عنها لندرة وقوعه فيها بخلاف الطاعون لم ينقل قط أنه دخلها انتهى‏.‏ وخص الجحفة بنقلها إليها لأنها كانت مساجد اليهود واستشكل نقل الحمى إليها مع جعلها ميقاتاً للحج وأجيب بأنه لما علم من قواعد الشرع أنه لا يأمر بما فيه ضرر وجب حمل ذلك على أنها انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها

-‏(‏حم وابن سعد‏)‏ في الطبقات والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي والماوردي وأبو نعيم وابن عساكر ‏(‏عن أبي عسيب‏)‏ بمهملتين كعظيم ويقال عصيب بصاد مهملة مولى المصطفى له صحبة وسماع ورواية واسمه أحمد‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ رجال أحمد ثقات ولذلك رمز المؤلف لصحته‏.‏

77 - ‏(‏أتاني جبريل‏)‏ لم يقل قال لي جبريل إيذاناً بأنه أمر يهتم به بحيث أتاه تلك المرة خصوص ذلك القول اهتماماً بشأنه فلم يكن ذكره له بطريق العرض في أثناء حديث فاوضه فيه وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏"‏عرض لي في جانب ‏[‏ص 95‏]‏ الحرة ‏(‏فقال‏:‏ بشر أمتك‏)‏ أمة الإجابة بقرينة ذكره البشارة ولو قال قل لأمتك لصلح لإرادة العموم ‏(‏أنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏من مات لا يشرك بالله شيئاً‏)‏ أي غير مشرك به شيئاً فهو نصب على الحال من ضمير مات واقتصر على نفي الشرك لظهوره في ذلك الزمن والمراد مصدقاً لما جاء به الشرع من كل ما يجب الإيمان به إجمالاً في الإجمالي وتفصيلاً في التفصيلي وجواب الشرط ‏(‏دخل الجنة‏)‏ أي عاقبة أمره دخولها وإن مات مصراً على الكبائر ودخل النار ‏(‏قلت يا جبريل‏)‏ ناداه ليقبل على استماع سؤاله فيجيبه ويتلذذ بذكر اسم الجبيب ‏(‏وإن سرق وإن زنى‏)‏ أي أيدخل الجنة وإن سرق وإن زنى‏؟‏ ففيه استفهام مقدر ووجه الاستفهام ما تقرر عنده قبل ذلك من الآيات الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار فلما سمع أن من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة أستفهم عن ذلك بقوله ‏"‏وإن‏"‏ إلى آخره ‏(‏قال نعم‏)‏ يدخلها وإن فعل ذلك وإنما بشره جبريل بذلك بأمر تلقاه عن ربه فكأنه تعالى قال له بشر محمداً أن من مات من أمته لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة وإن، وقع منه ذلك ولهذا ترجم البخاري على هذا الحديث‏.‏ باب كلام الرب مع جبريل ثم أورده ‏(‏قلت‏:‏ وإن سرق وإن زنى‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قلت‏:‏ وإن سرق وإن زنى‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏)‏ كرر الاستفهام استثباتاً واشتياقاً واستعظاماً لشأن الدخول مع مباشرة الكبائر أو تعجباً منه، واقتصر من الكبائر على ذينك لأن الحق إما لله أو للعباد فأشار بالزنا إلى الأول وبالسرقة إلى الثاني وبين أن دخول الجنة لا يتوقف على تجنبهما‏.‏ قال السكي‏:‏ وآثر ذكر السرقة على القتل مع كونه أقبح لكثرة وقوعها وقلة وقوع القتل فآثر ما يكثر وقوعه لشدة الحاجة للسؤال عنه على ما يندر‏.‏ قال‏:‏ والأحاديث الدالة على دخول من مات غير مشرك الجنة يبلغ القدر المشترك منها مبلغ التواتر وهي قاصمة لظهور المعتزلة الزاعمين خلود أرباب الكبائر في النار ثم أكد جبريل ما ذكره تتميماً للمبالغة بقوله‏:‏ ‏(‏وإن شرب الخمر‏)‏ فإن شربها لا يمنعه من دخولها ونص عليه إشارة إلى نحوسة هذه الكبيرة وفظاعتها لأنها تؤدي إلى خلل العقل الذي شرف به الإنسان على غيره من الحيوان وبوقوع الخلل فيه يزول التوقي الحاجز عن ارتكاب بقية الكبائر فأعظم به من مفسدة ومع ذلك يدخل شاربه الجنة وفيه إشعار بأن مجيء جبريل وإخباره بذلك كان بعد تحريمها

- ‏(‏حم ت‏)‏ وقال صحيح ‏(‏ن جب عن أبي ذر‏)‏ الغفاري جندب بن جنادة أو يزيد بن عبد الله أو زيد بن جنادة أو جندب بن عبد الله أو جندب بن يشكر أو غير ذلك والأصح الأول من أكابر الصحابة وأفاضلهم وقدمائهم‏.‏

78 - ‏(‏أتاني جبريل‏)‏ وفي رواية عرض لي الظهر ‏(‏فبشرني‏)‏ أخبرني بما يسرني بأن قال لي ‏(‏من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً‏)‏ أي وشهد بأنك رسوله ولم يذكره اكتفاء بأحد الجزأين عن الآخر لما مر ‏(‏دخل الجنة‏)‏ وإن لم يتب ولم يعف عنه ‏(‏فقلت‏:‏ وإن زنى وإن سرق قال‏:‏ وإن زنى وإن سرق‏)‏ وارتكب كل كبيرة واقتحم كل فجور فلا بدّ من دخوله إياها إما ابتداء إن عفي عنه أو بعد دخوله النار حسبما نطقت به الأخبار الدالة على أنه لا يبقى في النار موحد، فالكبائر لا تسلب الإيمان ولا تحبط الطاعة إذ لو كانت محبطة موازنة أو غيرها لزم أن لا تبقى لبعض الزناة أو السراق طاعة والقائل بالاحباط يحيل دخول الجنة وبما تقرر آنفاً علم أن جواب أن محذوف لدلالة الواو عليه لأنها ترد الكلام على أوّله ولو سقطت الواو لكان الزنا والسرقة شرطاً في دخول الجنة فالمعنى وإن زنى وإن سرق لم يمنعه ذلك من دخولها، ثم إن في اختلاف هذا الحديث وما قبله زيادة ونقصاناً وتقديماً وتأخيراً مع اتحاد الصحابي إما لأنه سمعه من المصطفى مرتين كذلك ‏[‏ص 96‏]‏ أو حكاه بلفظه مرة وبمعناه أخرى وسكت عن الخمر في إحدى الروايتين سهواً أو لعروض شاغل ‏(‏تتمة‏)‏ سئل شيخ الطائفة الجنيد‏:‏ هل يسرق العارف‏؟‏ قال‏:‏ لا، قيل‏:‏ فهل يزني‏؟‏ فأطرق ملياً ثم قال‏:‏ ‏{‏وكان أمر الله قدراً مقدوراً ‏}‏‏.‏